الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

مـــا فائدة الإنسان إنْ لم يغيّر العالم!؟


التلميذ: مــزوار محمد سعيد

أرسطو هو "المعلم الأوّل"، لقب منح له باحترام و بيان جميع الفلاسفة، فقد وضع نسقا فلسفيا خالصا و خاليا من الخطاب المثالي، و كان منهجه واضحا، كما أنّه اصطنع لفلسفته علما أسماه بالمنطق، مما جعل أرسطو أشبه بالرصاصة التي خرجت من العصر ما قبل الميلاد و أصابتنا في العصر الحالي.
فقد ولد أرسطو في مدينة استاغيرا سنة 385 ق م، و كان متميّزا منذ الطفولة بأخلاقه و سلوكه ودهائه العلمي، كما أنّه التحق بأكاديمية أفلاطون في الثامنة عشرة من عمره، أين لفت أنظار زملائه في الأكاديمية إلى درجة لقبوه بـ"القارئ" و لقبه أفلاطون بـــ"عقل أثنا". عندما بلغ 24 سنة جمع أرسطو أكثر من 1400 دستور من الامبراطوريات الشرقية القديمة، و حقق فيها، و قارن بينها مستخلصا نتائج عظيمة في كتاب "دستور الأثنيين" ، و عند اشتهار صيته في اليونان و ما جورها، استدعاه ملك مقدونيا لكي يدرس ابنه الكسندر، فبهذه الخطوة التي أقدم عليها الملك المقدوني استعان بها الكثير من الباحثين ليربطوا بين علم أرسطو و انجازات الكسندر الأكبر، كما أنّ أرسطو قد أخذ العلم عن أفلاطون، و بعد وفاة هذا الخير و تولي فنيكسس مقاليد أمور الأكاديمية، هجرها أرسطو مؤسسا بذلك أكاديميته الخاصة و التي أسماها بــــ"اللسيوم" مشاركا أستاذه أفلاطون في صنع مجد البشرية.
و قد التحق باللسيوم طلبة كثر كان يدرسهم أرسطو وهو يمشي حتى سميت فلسفته بــ"الفلسفة المشائية"، و بالإضافة إلى هذا فقد كتب أرسطو في المنطق كتاب "الأبولاس"، و كتاب "القضايا" و كتاب "المنطق الكبير"، إلاّ أنّ أرسطو نفسه توفي و لم يكمل تأليف كتاب "المنطق الكبير" حتى أتى تلميذه "بوبوريوس" و أضافإليه القياس.
كما أنّ المعلم الأوّل كتب في الطبيعة "السماع الطبيعي" اضافة إلى كتاب "الميتافيزيقا"، و كتب في الجمال كتاب "فن الخطابة"، و كتب في الشعر أيضا. و نجد في تصفحنا لفكر هذا العملاق المعرفي مؤلفات أخرى لا تقل أهمية ككتابه "فساد الكون" الذي ترجمه عميد فلاسفة الأندلس ابن رشد رحمه الله إلى كتاب "الفساد"، و كتاب في السياسة.
و قد عالج أرسطو مفاهيم عدّة كمفهوم الدراما و التراجيديا و المسرح، و عمد إلى استحداث مناهج استقرائية كان أهمها:
1.   المنهج النقدي التحليلي: و يدرس فلسفة عصره و فلسفة أستاذه أفلاطون.
2.   المنهج الوصفي: و قد وظفه أرسطو في وصف الفلسفات و وصف فلسفته الخاصة.
3.   المنهج البنائي: و استعمله أرسطو في بناء نسقه الفلسفي.
و لو تأملنا في فلسفة أرسطو جيّدا لحتما سنجدها قد جاءت كبديل عن فلسفة أفلاطون المثالية. فلو لم يكن أفلاطون لما كان أرسطو، فانزعاج هذا الأخير من أستاذه أثناء تلقيه لدروسه منه هو الذي كان بمثابة الحافز المؤدي إلى التفكير في البديل عن فلسفة أفلاطون، فظهرت فلسفة أرسطو لكي تضع حدا قاطعا لهيمنة السفسطائية آنذاك، و قد نجحت في بلوغ هذا المبتغى بجدارة و استحقاق بفضل ميزان العلوم، و قد وضح أرسطو هذا الـزمن الجميل في كتابه "المغالطات" الذي قضى على مجد السفسطائيين إلى الأبد. و بهذا يكون أرسطو قد نجح في تحقيق ما عجز عنه سقراط و أفلاطون بفلسفة أساسها نقد أفلاطون مما يجوز لنا طرح السؤال التالي:
كـــيف يجرأ أرسطو على نقد أفلاطون؟
و عليه فقد وجد أرسطو أنّ أفلاطون قد أخطأ عندما قسّم العالم إلى عالميْن، عالم الحس و عالم المُثُلْ، و قال: "أفلاطون قسّم الحقيقة إلى حقيقتيـْن"، وقد أخفق بوصل العالميْن ببعضهما البعض، و هنا يمكننا طرح ما يلي:
ما دور الديالكتيك في كل هذا؟
و للإجابة عن هذا الاستفهام يمكننا التنبيه إلى أنّ أرسطو لم يقتنع بالديالكتيك، و قال بخرافية عالم المُثُل، و اعتبره مجرد ملجأ و هروب من الواقع المعاش.
هذه النتيجة كانت كردّ فعل عن زمن طويل رضع خلاله ارسطو من ثدي الفلسفة الأفلاطونية كثيرا إلى أن أتت هذه اللحظة التي تمثّل لحظة القيء بعد الشبع، أين اختلف أرسطو و أفلاطون حول نظرية الوجود، ففي نظر المعلم الأوّل أستاذه فرّ من الوجود، و صنع لنفسه وجودا غير موجود، و هذا الوجود له فلسفته الخاصة به، و بالتالي أفلاطون تفلسف حول شيء غير موجود، أي إنّ هذه الفلسفة العظيمة هي هروب من الحقيقة.
فحسب أرسطو الأجدر بنا أن ننظر في العالم الحسي و ليس عالم المُثُل الغير موجود، حيث قال ارسطو: "الحقيقة هي مخبأة بين الموجودات، الحقيقة هي هنا و ليست هناك.". و قال أيضا: "القضية توجد هنا على الأرض و ما عليها من موجودات.". و وضح هذه الفكرة عقل أثنا في قوله: "عالم الطبيعة بما يحتويه من موجودات حتى من الديدان التي تنخر الميّت تخضع لأربعة علل ... و ترابط العلل يوصلنا إلى العلة الأولى التي هي علة العلل ... فالله محرك و غير متحرك ... و القدرة الالهية تعمل وفق نظام سلسلة العلل في الكون، و البشر عاجزون عن الفهم ... ".
فحسب قول أرسطو الله هو الذي يحرك الكون ونحن نشعر فقط بما يظهر في الحس، نحن نتعامل مع الظاهر لا غير.
و لتوضيح المغزى من هذا قسّم أرسطو العلل إلى أربعة هي:
           I.          العلة المادية: كالخشب بالنسبة لأيّ شجرة.
        II.          العلة الصورية: كالشجرة بالنسبة للخشب.
     III.          العلة الفاعلة: كل ما هو موجود في الطبيعة له فعل.
    IV.          العلة الغائية: كل ما هو موجود له غاية و هدف من وجوده.
فحسب أرسطو فإنّ كل ما هو موجود في الطبيعة هو كائن فزيائي و ميتافيزيقي في الوقت نفسه، أي أنّ الصورة الفزيائية هي التصرفات الانسانية مثلا و الصورة الميتافيزيقية هي الطبع و التفكير و الاعتقاد، بحيث أنّ عالم الميتافيزيقي يسكن ما وراء الفيزيقي.
و من هنا فإنّ تدرج العلل يفضي في الأخير إلى الوصول إلى الغاية النهائية، و عند بلوغها من قبل الانسان، فإنه يحاول الاستقالة من هذا العالم، أين لا يبالي بشخصه، و يصبح بائسا، و هنا يمكننا القول أنّ الحياة البشرية مرهونة بالمادة و الصورة معا، فإنْ تكاملا يحلّ موعد العَدَم و الموت.
كما أننا نجد في جعبة انجازات أرسطو "علم المنطق" الذي يفضي إلى حقائق هامة جدّا فهو آلة العلوم عند أرسطو، لأنه لا يعطينا العلم كالفيزياء و الرياضيات، أي أنه مجرد طريقة لتحصيل صدق العلوم، و هنا نجد أنّ المنطق هو منهج في إنتاج الفكر و العلم، و مساعد العقل للعثور على الصواب، و تجنب الخطأ، و قد وافق أرسطو في هذه النقطة الامام الغزالي بقوله: "من لا منطق له لا يؤخذ بعلمه ... ". كما أنّ الامام الغزالي سمى المنطق الأرسطي في مؤلفاته بميزان العلوم، و منه نجد السؤال التالـي:
هل هذه هي وظيفة المنطق الوحيدة؟
يمكننا توضيح هذه البصمة بالقول أنّ للمنطق عدّة وضائف أسماها الوظيفة الكونية بالإضافة إلى وظيفة أبستمولوجية تتمثل في بيان صدق العلوم، و وظيفة أنطولوجية تتمثل في فهم العلاقات الموجودة بين العلل الأربعة.
فالمنطق هو الذي يشرح علاقة النفس بالجسم، كما أنّ أشكال الحياة هي عبارة عن صور لجوهر لا يُعرف إلاّ بالمنطق، و الذي يمكننا أيضا من ادراك أنّ الطيور نوع من الحيوان، و به ندرك أنّ الانسان هو حيوان كذلك، فبإحدى العمليات المنطقية البسيطة نستنتج أنّ الانسان يتميّز بخاصية العقل، و الطيور لها الريش كخاصية، و كلّهم يخرجون من الجنس الحيواني كمفهوم كلّي.
فبالمنطق نستطيع ربط الكليات بالجزئيات، و به نختصر العالم و الوجود، بحيث أنّ مستخدم المنطق يعوّض الأشياء بمفاهيم عقلية كالاستنتاج و القياس، و التي تعتبر الترسانة التقنية الخالصة و النقية، البعيدة عن هفوات الحسية المغالطة.
كما أنّ أرسطو تطرق إلى النفس على أنّها القوّة التي توظف المادة في تحقيق صورتها و منه غايتها، فالقوّة هي وسيلة المادة إلى غايتها النهائية، و النفس أنواع على حسب أرسطو:
01.            النفس النباتية
02.            النفس الحيوانية
03.            النفس العاقلة وهي أفضل النفوس.
و هذا التصنيف مرتبط بثلاث قوى:
1.   قوة المخيّلة
2.   قوة الذاكرة
3.   قوة التعقل
فالإنسان في فكر أرسطو هو حيوان مدنيّ بطبعه، أي أنّه كائن اجتماعيّ مهذب عن طريق الأخلاق. فبها يحدث الانسجام في المجتمع للوصول إلى سيادة الفضيلة و العدالة و الخير المطلق، فهمرس يقول: "الإنسان خيّر و ليس شرير.".
في الأخير فإن أصاب أرسطو فله أجران، و إن أخطأ فله أجر بما صنعت يداه و صدّقه فكره. و منه علينا نحن أبناء هذا العصر الجديد أن نقف بإجلال أمام هذا الاسم المرتل بإتقان، و الذي يعتبر إحدى أوراق خريف الذاكرة التي لا تتناسى، و لا تنسى أبناءها العظام.


http://mezoumedsaid.blogspot.com

صبرة، تـلمسان، الجزائر.




السبت، 6 أغسطس 2011

نحن هم نحن

نحن هم نحن

التلميذ: مــزوار محمد سعيد

في فترات زمنية متقطعة، يأخذ ابن آدم فسحة للتفكير، يراجع النفس، ينبش في قبور الماضي، ويفتح نافذة الغد، الذي يتمنى نفس المخلوق أن يسير على المنحى المرغوب فيه، إنها عجائب الإنسان، و طبيعته الغريبة.
و في عالم اليوم، و كأي وقت مضى، مازال نفس البشر يسيرون على نفس المنوال، محاولين التحكم في عوامل شتى، تعددت بتنوع الظروف و المؤثرات. إنّ إنسان عصرنا لا يختلف عن إنسان عصور مضت، و أكبر مجال للاشتراك، هو مجال الحيرة. نعم! إننا حائرون، ضائعون، لا نعرف أين السبيل لبلوغ ما وجدنا من أجله. بل إننّا أحيانا لا نعرف حتى القصد من وجودنا، فالموجود في الوجود لا يفقه أسباب الوجود في الموجود. هذا هو حالنا الذي نأمل أن يتغير نحو السليم من المواقع.
و من هنا تعددت الأبحاث و تشعبت الأقوال و الاعتقادات، فهناك من ذهب يبحث عن نفسه بين أعماق الكون، و هناك من بحث عنها بين الكتب السماوية، و هناك من لم يقرر بعد. و عليه و اعتمادا على ما تقدم في الموضوع نجد أنفسنا أمام ما يلي:
أين نحن؟ و إلى أين نتجه؟ و ما السبيل لبلوغ ماهية أهدافنا؟
أسئلة عديدة، سهلة النطق، معقدة الفهم، و صعبة الإجابة. إنّ البشري يعيش دائما بين التيارات المتفاوتة في القوّة، و المتنوعة في الاتجاه، و المعرضة للتصادم و الانشطار قبل الالتئام. فنحن الآن ندرك حقيقة واحدة، تكمن في أننا ما أدركنا، و لم ندرك بعد، و من الصعب تثبيت إدراكنا أننا لن ندرك في المستقبل أشياء مشتركة، رغم أنها تبدوا كذلك، فلقد تملكنا يقين الشك، و تبعنا طرق المتاهة بحثا عن مشكلة الحل.
هذا هو حال الدنيا البشرية، بالغة التعقيد، تقتات على تناقضها، تشرب من منبع مشاكلها، لبلوغ مشاكل أخرى هي بالنسبة لها بمقام الأدوية الواقية من مرض الشفاء.
فمصيبتنا في عافيتنا، و هذا هو مبدأ اتحاد اختلافنا حول تعدد المرجعية الواحدة، مما ولّد عدّة تفاعلات أدّت معظمها إلى انفعالات غيّبت العقل و الوعي، و طمست الإرادة، فمراتب الإنسان اختلت، بين ما هو جار، و ما هو مثبت على انهيار موقوت، كراعي الغنم في ليلة ظلماء، و في غابة "بوغار"، لكن مشكلته أنّه يحاول التخلص من رعيته بشرعية المحافظة عليها، أين تتجلى عقد الإنسان المختفية بين جنيات وضوح الصور، و قسوة الحق.
فالبشر ها هنا على الأرض، و كل فرد له روح، لا نستطيع الحكم على طبيعتها، و مع ذلك نجد الطبقات بين المجموعة الواحدة، و نجد الأصناف بين أفراد الصنف الواحد، و نجدّ في البحث في التعدد و العضوية واحدة، كمجنون يرى كل الناس مجانين، حتى ضاع مفهوم الجنون، و قصرت أعمار الأحياء بطولها، هذا كله نحن، و نحن هذا كله.
و عن وجهتنا لا يسعنا إلاّ محاولة التعرف على منبتنا، لنطال طموحنا. إننا آتون من مصادر لا نفهم مصادرها هي، مقدمون على عناوين نجهل أصحابها، سائرون على طرق لا نحتفظ بأسمائها و لا نملك مخططاتها. المهم أننا نسير و كفى، فنحن لا يهمنا مكان السير بقدر السير في حدّ ذاته، لا يهمنا أننا ضائعون بقدر ضياعنا بين ما هو مهمّ بالنسبة لنا، حتى توقفنا نراه سيرا، هذه هي وضعيتنا باتجاه أهدافنا، فنحن قادمون من المجهول، و نعيش في المجهول، و متجهون نحو المجهول الذي لا يبدوا أنه مجهولا بالنسبة لنا.
في أزمنة غابرة سمعت الإنسانية نداء يونانيّ قائلا: "اعرف نفسك بنفسك" فكافأته بتجريعه السمّ قبل المغيب أمام الجماهير، و لكن ألا يبدوا هذا غريبا؟
طبعا إنه غريب، و تكمن غرابته في انسجامه المتناقض، إنسان أشفق على الإنسانية، فحاول تخليصها من نسيانتها و قيادتها نحو أنسنتها، فدفع حياته ثمنا لذلك، أراد أن يخلص أرواح الأجساد العفنة من عفنها فسلبوه روحه. هذه هي حالنا، فكثرة بحثنا هو سبب أصلا، وعليه يقول رالف والدو أمرسون: "كل ما يوجد أمامنا، و كل ما يوجد في غير متناولنا، شيء بسيط جدّا للغاية، إذا ما قورن بما يوجد في أنفسنا..".[1]   
في الأخير نستنتج أننا لا نعرف أنفسنا، و ما علينا إلاّ تهذيبها قبل فقدان السيطرة عليها، فبصلاح الجزئيات تصلح الكليات، و بصلاح الأنفس تصلح الأفئدة التي بتراصها تستقيم الأمم.
  



صبرة، تـلمسان، الجزائر.






[1] : الدكتور ابراهيم الفقي، البرمجة اللغوية العصبية، جمهورية مصر العربية – القاهرة، ص 31.

الجمعة، 5 أغسطس 2011

اميل دوركاييم على طريقة الكبار

اميل دوركاييم على طريقة الكبار

التلميذ: مــزوار محمد سعيد

ولد عام 1858 في مدينة ابنال epinal بمقاطعة اللورين من أسرة متدينة كاثوليكية، كان منذ صغره يحب مهنة التدريس، حيث التحق بمدرسة المعلمين العليا.
عمل في سلك التدريس بالثانوية لمدّة 5 سنوات، ثمّ ناقش رسالته في الدكتوراه موضوعها: "تقسيم العمل الاجتماعي" ثم انتقل إلى إلى جامعة السربون لتدريس علم الاجتماع التربية، توفي دوركاييم عام 1917، و من أهم مؤلفاته: "تقسيم العمل الاجتماعي"، قواعد المنهج الاجتماعي"، "الانتحار"، "الأشكال الأوّلية للحياة الدينية".
يشير دوركاييم في كتابه "قواعد المنهج" أنّ العلم يحدد بموضوعه، و يبيّن أنّ موضوع علم الاجتماع هو الظواهر الاجتماعية.
و قد ميّز بين الظاهرة النفسية و البيولوجية و الاجتماعية، و هذه الأخيرة خصّ بها خصائص تتمثل فيما يلي:
I.     إنها ظاهرة مكتسبة:
و يعني بذلك أنّ الظواهر الاجتماعية تعلّم و تلقن للفرد، و لا يمكن له أن يخرج عنها مثل: ظاهرة الدين، و العادات، و القيم و الثقافة، فقد وُجدت قبله، و هذا يعني أنّ الظاهرة الاجتماعية توجد جاهزة و يتم اكتسابها من المجتمع.
II.   إنها عامــــــــة:
 أي يؤمن كل أفراد المجتمع بنفس المعتقدات، و يمارسون نفس الطقوس الدينية.
III. إنها إلــــــزامية:
و هي تعني أنّ لها سلطة مهيمنة تجبر الفرد على الالتزام بها، و ممارستها، و باختصار فإنّ الظاهرة الاجتماعية تتميّز بصفة القهر و الإكراه.
بالإضافة إلى هذا فإنّ دوركاييم حدد ثلاثة قواعد منهجية في دراسة الظاهرة الاجتماعية وهي:
1.   رفض الأفكار المسبقة:
و هي رفض الأفكار الجاهزة، و المعطيات السابقة لأنّ البحث العلمي هو الكشف عن كل ما هو جديد.
2.   تفسير الاجتماعي بالاجتماعي:
أي تفسير ظاهرة اجتماعية بظاهرة أخرى، و إبعاد الفكر الديني أو الفلسفي أو الميتافيزيقي.
3.   دراسة و ملاحظة الظواهر الاجتماعية كأشياء:
دراسة الظاهرة الاجتماعية كدراسة الظاهرة الطبيعية، فالظواهر الاجتماعية شبيهة بالظواهر الطبيعية، أي أنها ظواهر مادية دون أن تكون مادية بحتة.
و بالتالي يجب إخضاعها للمنهج الوضعي الذي يقوم على الملاحظة، الفروض، التجربة (المقارنة)، و صياغة القوانين. و يعتقد دوركاييم أنّ الإحصاء ضروري في دراسة الظواهر الاجتماعية.
كما أنّ اميل مهّد لتوضيح عدّة مفاهيم اجتماعية منها:
1)   التضامن الآلي:
يسود في المجتمعات البدائية أو التقليدية، تكون فيه السلطة بيد الجماعة، و يتميّز بوجود الملكية العامّة، و يسوده أيضا إيمان الناس، و اعتقادهم بوجود قوي خفية تحرك العالم ك الطوطم.
2)   التضامن العضوي:
يسود في المجتمعات الصناعية الحديثة، و تقوم على التخصص الذي يتطلب الكفاءة، و المهارة، و الخبرة، و بالتالي كل عضو يقوم بوظيفته، و الخاصة به مع تعقد الحياة الاجتماعية.




صبرة، تـلمسان، الجزائر.



الخميس، 4 أغسطس 2011

عاصفة الأنوار

التلميذ: مــزوار محمد سعيد

يسمى عصر الأنوار بعصر الاستنارة أو عصر طلوع النهار أو عصر الإفصاح، فيقال عند العرب أفصح اللبن أي صار صافيا أو لبنا فصيحا بعد إبعاد الرغوة عنه. و يقال أيضا السماء زرقاء بعد زوال الغيوم أو الضباب عنها.
بحيث يرتبط هذا العصر بالقرن 18، الذي عرف تطورا كبيرا من الناحية العلمية و الفكرية خاصة. و يعتبر هذا العصر ثورة فكرية ضد العصر الإقطاعي. فالمجتمعات الغربية ناهضت الفكر اللاهوتي الكنسي، و ظهر في هذا الوقت جماعة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم فلاسفة الأنوار، دافعوا عن مفاهيم و مقولات فلسفية و اجتماعية، منها الحرية و المساواة و العدالة و الأخوة، و المفهوم البارز الذي أصبح شعارا لهؤلاء الفلاسفة وهو: مفهوم التقدم. و من أعلام هذا العصر و فلاسفته: مونتسكيو صاحب كتاب "روح الشرائع" و الموسوعيون منهم: ديدرو القائل: "الثورة يخطط لها العلماء، و ينفذها المجانين، و يستفيد منها الجبناء" ، لوسو، فولكير، امنويل كانط و جون لوك.
الثورة الفرنسية و الثورة الصناعية
يرى كثير من علماء الاجتماع أنّ علم الاجتماع هو وليد الثورتيْن، الثورة الفرنسية و هي ثورة سياسية و عسكرية، و الثورة الصناعية التي هي ثورة اقتصادية، و الذين ساهموا في تفجير الثورة الفرنسية سنة 1788م هم فلاسفة الأنوار، الذين حددوا التوجه الإيديولوجي لهذه الثورة، حيث حملت شعار الأخوّة، المساواة، الحرية.
قال كارل ماكس: " إنّ الفلاسفة لا يخرجون من الأرض كخروج النباتات الفطرية، بل إنهم عصارة عصرهم...". و قد قام بتفجير هذه الثورة عسكريا الطبقة البرجوازية بالتحالف مع العمال، في مواجهة رجال الدين و النبلاء. و يعدّ نجاح هذه الثورة، و انتصارها في هدم النظام الكنسي الإقطاعي.
بدأ التفكير في بناء مجتمع جديد يقوم على الحرية و المساواة و العدالة، و طرحت مشكلة "السلطة"، أي من يحكم المجتمع من جديد، فاعتقد سان سيمون أنّ السلطة تكون بيد المنتجين التكنقراطيين، و اعتقد أغست كونت أنّ السلطة تكون بيد الوضعيين، و ذهب دوركايم للقول بأنّ السلطة ستكون للمربين.
التحقيقات الميدانية
إنّ التحالف الذي تمّ بين الطبقة البرجوازية و الطبقة العاملة لم يتم طويلا، حيث استولت البرجوازية على السلطة، و ظلت الطبقة العاملة تعاني من ظروف مادية و اجتماعية مزرية، و نتيجة ازدياد عددها، و خاصة بسبب نزوحها من الأرياف إلى المدن يبحثا عن العمل، أصبحت تمثل طبقة قوية و خطيرة في نفس الوقت، خاصة إذا أصبح وعيها بذاتها كقوة لها القدرة على الثورة و الإطاحة بالطبقة البرجوازية، فالتحقيقات الميدانية كانت لغرض دراسة الطبقة العاملة، و لتفادي هذه الخطورة قام جماعة من الباحثين من علماء اقتصاد، و مؤرخين و أطباء ... دون أن يكونوا علماء اجتماع محترفون في مجال السوسيولوجيا بتحقيقات ميدانية استهدفت أسر و عائلات الطبقة العاملة، لمعاينة ظروفها المادية و الاجتماعية، و لتقديم المساعدات لها. و من أشهر هؤلاء المحققين الميدانيين: فيلاني عالم الاقتصاد الفرنسي، و لوبلاي مكتشف و واضع منهج دراسة الحالة، و هو منهج يدرس الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للنظم و الوحدات الاجتماعية (أسرة، مصنع، جمعية)، فكشف عن الفقر و المعاناة المادية التي تعيشها أسر و عائلات الطبقة العاملة. بينما عالم الاقتصاد لوبلاي اكتفى بالقول بأنّ الطبقة العاملة تعيش أحسن ما كانت عليه من قبل، و على العموم فإنّ هذه التحقيقات الميدانية كانت تخدم مصالح الطبقة السائدة، و هي الطبقة البرجوازية.
إنّ هذه التحقيقات الميدانية التي كان موضوعها الطبقة العاملة لم تكن حكرا على مفكرين برجوازيين، بل كانت موضوعا أيضا في غاية الأهمية لمفكرين ماركسيين، و للبرهنة على ذلك قام انغايس فريدريك بمصنع مانشستر ببريطانيا بتحقيق ميداني، و اكتشف أنّ هناك طبقة جديدة لا تملك سوى قوة عملها، و هي الطبقة العاملة، و طبقة أخرى اسمها الطبقة البرجوازية، تملك آلات الإنتاج ووسائله. و قد كتب رسالة لماركس في فرنسا و ألمانيا يخبره عن اكتشافه الجديد للطبقة العاملة، و دعاه ليرى بأم عينه هذه الطبقة، و قد اعترف ماركس ذاته أنّ الأخبار تصله متأخرة، و ما عليه إلا أن يحذوا حذوه. و في نفس الاتجاه قام ماوتستونغ بتحقيق ميداني بمقاطعة مولان الصينية، و اكتشف في الصين أنّ هناك طبقة جديدة، و هي طبقة الفلاحين حيث قال: "إنّ الثورة في الصين إمّا أن تكون ثورة فلاحين أو لا تكون.". و كان هذا التصريح الخطير نقطة الخلاف بينه و بين المتعصبين القائلين بوجود طبقة وحيدة، و هي الطبقة العاملة، ومن خلال هذه التحقيقات الميدانية بشقيها الرأسمالي و الماركسي، نشأ علم الاجتماع التطبيقي الذي انتقل من المستوى النظري إلى المستوى الميداني.
    

صبرة، تـلمسان، الجزائر.



الاثنين، 1 أغسطس 2011

ورود المجتمع الجميلة و القاتلة

ورود المجتمع الجميلة و القاتلة

التلميذ: مــزوار محمد سعيد

إنّ الإنسان بطبعه اجتماعي محض، هذا ما تعارفنا على ترديده، و هذا ما تؤكده النظرة الملقاة على المجتمعات، بحيث يستحيل أو يكاد نحو ذلك أن يعيش الإنسان وحده، على طريقة مستر ولسن، لكن هذا الكائن العاقل، و منذ وجوده عرف تقلبات و أعاصير عصفت بعلاقاته المتدحرجة، على منحدر الروابط و المعاملات المتعددة تعدد ألوان ريش الطاووس المتأنق.
و عليه و بناء على ما تقدم، نطرح السؤال التالي: ما هي العلاقة؟ و ما هي أنواعها؟ و ما دورها في بناء و تماسك المجتمعات؟
العلاقة هي اتفاق يقوم بوصل فرديْن على الأقل، قصد حصول التبادل على سبيل تحقيق الصيغة البارزة، أو لهدف تجسيد المبيّت، و هذا تحت مظلة الحاجة، مزيّنة بالتضامن و التكافل الاجتماعي.
و بذلك و ككل أواصر المودة و المحبة، فللعلاقات أنواع كثيرة، تجتمع على هيئة حزم، مشكلة بهذه العملية اللطيفة حزمتيْن رئيسيتيْن.
أولاهما العلاقات الأفقية أو العلاقات الخطية، و هي تلك العقود المضمرة أو الظاهرة و الدائرة بين الأفراد و الجماعات في المجتمع الواحد، بتدخل أو عدمه من طرف عناصر أو وحدات اجتماعية أخرى أجنبية، وفق تمايز المسطر له من قبل النوايا، بحيث يتحكم فيها الجنس و الدين، و التقاليد، و الأعراف، و الإيديولوجيات، و القوميات، و المصالح، و الأهداف المشتركة، أو الغير مشتركة، في الاتجاهيْن المتوازيين أو المتعاكسيْن، و خلال فترة محددة مهما كانت طويلة.
و منه يتبيّن لنا كل النتائج، الحاصلة أو التي وقعت كخلاصة لأحداث تميّز بها مجتمعنا، و مدى تأثيرها على الجانب الإنساني أو الحياة العادية للأمّة.
ناهيك عن ما قد يتضح أيضا من أسباب للتكتلات القومية، و التي بدأت بالأقوام و العشائر، وصولا إلى القبائل و العروش، و ما لحق ذلك من انعكاسات، على الخرائط السوسيوتاريخية بواسطة المد السياسي الجارف.
و من ما سبق يمكننا أن نستنتج مدى وقع تأثير هذه العلاقات على المستقبل خاصة إن أديرت بمناهج، و عقليات خاصة، غرضها المحاباة، و الابتزاز، و صنع المجد مهما كانت الوسائل.
فإنّ تركيب العلاقات الأفقية و تمازجها خاضع للقالب العام، و المدى الأقصى المحدد للتوجه، و الانسياق العملي ناحية نقطة تبدوا عظيمة، و هذه التراكيب قد تجعل من مستوى التناقض الممكن، و لو في درجاته الدنيا، سببا لإحباط و تقهقر عوالم الأمة بأكملها، فتزيغ عن طريقها و تتبنى طرقا أخرى، أسهلها هو طريق الفناء المعنوي، و الذي يعتبر لقيطا بالنسبة لأحلام البشر.
مما توجب على كل مجتمع الحرص كل الحرص، من إفرازات العلاقات و الروابط، وذلك لا يتم حسب كثيرين إلا بتجنب التصادم، خاصة في البديهيات، أو المسلمات، أو المبادئ، تحت غطاء التنوع الثقافي و العقائدي، و إلى ذلك من أقسام الاختلاف على أنّه اختلاف و تميّز، بوجوب مراعاة التعايش معه هو الخطوة الأولى نحو بناء علاقات سليمة بين الأفراد، قائمة على إرسال الودّ و استقباله، و منه فإنّ الذي يخالف الفرد في دينه و لغته و أحاسيسه و أهدافه، لا يمكن أن يصنف في خانة الأعداء، لا لشيء إلاّ أنّ طبيعته تختلف عنّا، و يجب التأقلم معها للحفاظ على حيّز مشترك، يمكن اعتماده ملاذا آمنا، يوفر للمختلفين سببا للعيش بتناغم، وهذا التناسق، لا نجد له طريقا إلاّ إذا قبلنا بعدم فرض فكرنا، أو أفكارنا على من هم لا يرغبون بها، أو الذين يحملون من يناقضها بدون جرح أو تجريح.
فصلابة العلاقات الخطية من صلابة قبولنا، و استسلامنا أمام ثبات ضرورة الإمساك بأوجه التشابه، لا الاختلاف الذي يجب علينا تناسيه في أسوء الحالات. و إنّ تحقق هذا الانصهار الثقافي لا يتمّ إلاّ إذا لجأنا إلى التخلي عن بعض الثوابت، أو أطرافا من هذه الأخيرة، حتى و لو كانت حساسة في نظر المجتمع، كالدين و اللغة التي يعتبرها الكثيرين من قوام الهوية الغير قابلة للنقاش، أو غير ذلك من استعمالات، تغطى بتزمت الأقليات و تشددهم، مما يولد الاضطهاد الذي يفضي إلى الإقصاء. بالنسبة لفئة على حساب فئة أخرى في نفس الجماعة أو التجمع، و كخلاصة آية تؤدي إلى القتال أو الاقتتال، و بالتالي الانفصال، و إلغاء الكليات الاجتماعية، بإثارة النعرة و الحساسيات المهلكة لأصحابها قبل الآخرين، و في الأخير يحدث التشتت و الابتعاد عن صور المجتمع الأساسية.
هذا من ناحية النوع الأوّل من العلاقات، أمّا بالنسبة للنوع الثاني من هذه الروابط فإنه خاص بالفرد كآحاد، و التي يصطلح عليها بالعلاقات العمودية، أو المنتصبة، و هي الخاصة بالإنسان الواحد كمخلوق، مع الله كخالق، و هذه العلاقة و في نظر جمهور الفقهاء يتم تناسقها بالتطعيم الدوري لصفائها. و المتمثل في العبادة الخالصة، وفق نظام عملي يقوم به العبد أو المتعبد، و على جدول زمني معين يبيّن طريقة القيام بالعبادة، و توقيتها و مدّتها الزمنية المستغرقة، و الذي يتم إعداده من قبل الإرادة الإلهية، و يستقبله الإنسان من الوسائط التي تتمثل في الملائكة و الرسل، و الأنبياء.
فهذا النوع من العلاقات لا يهمّ المجتمع بالدرجة الأولى رغم ضرورتها، و إنما يهمّ الفرد كذات و عنصر من الجماعة، باعتبار ارتياح هذا الفرد في جماعته ينعكس على زملائه في ذات الوحدة إيجابا، و يزيد من التماسك و الإسهام فيه.
و عموما يجب أن لا ننسى أننا من بني الإنسان قبل كلّ خطوة نقوم بها، و قدرنا الاستمتاع بحياتنا جنبا إلى جنب في إطار المجتمع المدني الضامن للحقوق و الكافل للواجبات، فكما قال أحدهم في نبذ التعصب و التشدد و الغلو المضر بالمجتمع: "لكي تقولب نمط الحياة عبر الأجيال، فإن الثقافة التقليدية تجرّد الأفراد من طاقاتهم، و تدمجهم في منظومة من التبعية الاجتماعية، و تعمل على إضعاف كل مؤسسة مؤهلة لجعلهم مستقلين، و ينتج عن هذا: أنّ الأفراد يجدون صعوبة ليصبحوا مواطنين و خاضعين للدولة..."[1]
                  

mezouar_s@yahoo.fr
صبرة، تـلمسان، الجزائر.







[1] MEDHAR Slimane - l’échec des système politique en Algérie – ED chihab – Alger – 1999 – P 183.