الخميس، 4 أغسطس 2011

عاصفة الأنوار

التلميذ: مــزوار محمد سعيد

يسمى عصر الأنوار بعصر الاستنارة أو عصر طلوع النهار أو عصر الإفصاح، فيقال عند العرب أفصح اللبن أي صار صافيا أو لبنا فصيحا بعد إبعاد الرغوة عنه. و يقال أيضا السماء زرقاء بعد زوال الغيوم أو الضباب عنها.
بحيث يرتبط هذا العصر بالقرن 18، الذي عرف تطورا كبيرا من الناحية العلمية و الفكرية خاصة. و يعتبر هذا العصر ثورة فكرية ضد العصر الإقطاعي. فالمجتمعات الغربية ناهضت الفكر اللاهوتي الكنسي، و ظهر في هذا الوقت جماعة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم فلاسفة الأنوار، دافعوا عن مفاهيم و مقولات فلسفية و اجتماعية، منها الحرية و المساواة و العدالة و الأخوة، و المفهوم البارز الذي أصبح شعارا لهؤلاء الفلاسفة وهو: مفهوم التقدم. و من أعلام هذا العصر و فلاسفته: مونتسكيو صاحب كتاب "روح الشرائع" و الموسوعيون منهم: ديدرو القائل: "الثورة يخطط لها العلماء، و ينفذها المجانين، و يستفيد منها الجبناء" ، لوسو، فولكير، امنويل كانط و جون لوك.
الثورة الفرنسية و الثورة الصناعية
يرى كثير من علماء الاجتماع أنّ علم الاجتماع هو وليد الثورتيْن، الثورة الفرنسية و هي ثورة سياسية و عسكرية، و الثورة الصناعية التي هي ثورة اقتصادية، و الذين ساهموا في تفجير الثورة الفرنسية سنة 1788م هم فلاسفة الأنوار، الذين حددوا التوجه الإيديولوجي لهذه الثورة، حيث حملت شعار الأخوّة، المساواة، الحرية.
قال كارل ماكس: " إنّ الفلاسفة لا يخرجون من الأرض كخروج النباتات الفطرية، بل إنهم عصارة عصرهم...". و قد قام بتفجير هذه الثورة عسكريا الطبقة البرجوازية بالتحالف مع العمال، في مواجهة رجال الدين و النبلاء. و يعدّ نجاح هذه الثورة، و انتصارها في هدم النظام الكنسي الإقطاعي.
بدأ التفكير في بناء مجتمع جديد يقوم على الحرية و المساواة و العدالة، و طرحت مشكلة "السلطة"، أي من يحكم المجتمع من جديد، فاعتقد سان سيمون أنّ السلطة تكون بيد المنتجين التكنقراطيين، و اعتقد أغست كونت أنّ السلطة تكون بيد الوضعيين، و ذهب دوركايم للقول بأنّ السلطة ستكون للمربين.
التحقيقات الميدانية
إنّ التحالف الذي تمّ بين الطبقة البرجوازية و الطبقة العاملة لم يتم طويلا، حيث استولت البرجوازية على السلطة، و ظلت الطبقة العاملة تعاني من ظروف مادية و اجتماعية مزرية، و نتيجة ازدياد عددها، و خاصة بسبب نزوحها من الأرياف إلى المدن يبحثا عن العمل، أصبحت تمثل طبقة قوية و خطيرة في نفس الوقت، خاصة إذا أصبح وعيها بذاتها كقوة لها القدرة على الثورة و الإطاحة بالطبقة البرجوازية، فالتحقيقات الميدانية كانت لغرض دراسة الطبقة العاملة، و لتفادي هذه الخطورة قام جماعة من الباحثين من علماء اقتصاد، و مؤرخين و أطباء ... دون أن يكونوا علماء اجتماع محترفون في مجال السوسيولوجيا بتحقيقات ميدانية استهدفت أسر و عائلات الطبقة العاملة، لمعاينة ظروفها المادية و الاجتماعية، و لتقديم المساعدات لها. و من أشهر هؤلاء المحققين الميدانيين: فيلاني عالم الاقتصاد الفرنسي، و لوبلاي مكتشف و واضع منهج دراسة الحالة، و هو منهج يدرس الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للنظم و الوحدات الاجتماعية (أسرة، مصنع، جمعية)، فكشف عن الفقر و المعاناة المادية التي تعيشها أسر و عائلات الطبقة العاملة. بينما عالم الاقتصاد لوبلاي اكتفى بالقول بأنّ الطبقة العاملة تعيش أحسن ما كانت عليه من قبل، و على العموم فإنّ هذه التحقيقات الميدانية كانت تخدم مصالح الطبقة السائدة، و هي الطبقة البرجوازية.
إنّ هذه التحقيقات الميدانية التي كان موضوعها الطبقة العاملة لم تكن حكرا على مفكرين برجوازيين، بل كانت موضوعا أيضا في غاية الأهمية لمفكرين ماركسيين، و للبرهنة على ذلك قام انغايس فريدريك بمصنع مانشستر ببريطانيا بتحقيق ميداني، و اكتشف أنّ هناك طبقة جديدة لا تملك سوى قوة عملها، و هي الطبقة العاملة، و طبقة أخرى اسمها الطبقة البرجوازية، تملك آلات الإنتاج ووسائله. و قد كتب رسالة لماركس في فرنسا و ألمانيا يخبره عن اكتشافه الجديد للطبقة العاملة، و دعاه ليرى بأم عينه هذه الطبقة، و قد اعترف ماركس ذاته أنّ الأخبار تصله متأخرة، و ما عليه إلا أن يحذوا حذوه. و في نفس الاتجاه قام ماوتستونغ بتحقيق ميداني بمقاطعة مولان الصينية، و اكتشف في الصين أنّ هناك طبقة جديدة، و هي طبقة الفلاحين حيث قال: "إنّ الثورة في الصين إمّا أن تكون ثورة فلاحين أو لا تكون.". و كان هذا التصريح الخطير نقطة الخلاف بينه و بين المتعصبين القائلين بوجود طبقة وحيدة، و هي الطبقة العاملة، ومن خلال هذه التحقيقات الميدانية بشقيها الرأسمالي و الماركسي، نشأ علم الاجتماع التطبيقي الذي انتقل من المستوى النظري إلى المستوى الميداني.
    

صبرة، تـلمسان، الجزائر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق