السبت، 6 أغسطس 2011

نحن هم نحن

نحن هم نحن

التلميذ: مــزوار محمد سعيد

في فترات زمنية متقطعة، يأخذ ابن آدم فسحة للتفكير، يراجع النفس، ينبش في قبور الماضي، ويفتح نافذة الغد، الذي يتمنى نفس المخلوق أن يسير على المنحى المرغوب فيه، إنها عجائب الإنسان، و طبيعته الغريبة.
و في عالم اليوم، و كأي وقت مضى، مازال نفس البشر يسيرون على نفس المنوال، محاولين التحكم في عوامل شتى، تعددت بتنوع الظروف و المؤثرات. إنّ إنسان عصرنا لا يختلف عن إنسان عصور مضت، و أكبر مجال للاشتراك، هو مجال الحيرة. نعم! إننا حائرون، ضائعون، لا نعرف أين السبيل لبلوغ ما وجدنا من أجله. بل إننّا أحيانا لا نعرف حتى القصد من وجودنا، فالموجود في الوجود لا يفقه أسباب الوجود في الموجود. هذا هو حالنا الذي نأمل أن يتغير نحو السليم من المواقع.
و من هنا تعددت الأبحاث و تشعبت الأقوال و الاعتقادات، فهناك من ذهب يبحث عن نفسه بين أعماق الكون، و هناك من بحث عنها بين الكتب السماوية، و هناك من لم يقرر بعد. و عليه و اعتمادا على ما تقدم في الموضوع نجد أنفسنا أمام ما يلي:
أين نحن؟ و إلى أين نتجه؟ و ما السبيل لبلوغ ماهية أهدافنا؟
أسئلة عديدة، سهلة النطق، معقدة الفهم، و صعبة الإجابة. إنّ البشري يعيش دائما بين التيارات المتفاوتة في القوّة، و المتنوعة في الاتجاه، و المعرضة للتصادم و الانشطار قبل الالتئام. فنحن الآن ندرك حقيقة واحدة، تكمن في أننا ما أدركنا، و لم ندرك بعد، و من الصعب تثبيت إدراكنا أننا لن ندرك في المستقبل أشياء مشتركة، رغم أنها تبدوا كذلك، فلقد تملكنا يقين الشك، و تبعنا طرق المتاهة بحثا عن مشكلة الحل.
هذا هو حال الدنيا البشرية، بالغة التعقيد، تقتات على تناقضها، تشرب من منبع مشاكلها، لبلوغ مشاكل أخرى هي بالنسبة لها بمقام الأدوية الواقية من مرض الشفاء.
فمصيبتنا في عافيتنا، و هذا هو مبدأ اتحاد اختلافنا حول تعدد المرجعية الواحدة، مما ولّد عدّة تفاعلات أدّت معظمها إلى انفعالات غيّبت العقل و الوعي، و طمست الإرادة، فمراتب الإنسان اختلت، بين ما هو جار، و ما هو مثبت على انهيار موقوت، كراعي الغنم في ليلة ظلماء، و في غابة "بوغار"، لكن مشكلته أنّه يحاول التخلص من رعيته بشرعية المحافظة عليها، أين تتجلى عقد الإنسان المختفية بين جنيات وضوح الصور، و قسوة الحق.
فالبشر ها هنا على الأرض، و كل فرد له روح، لا نستطيع الحكم على طبيعتها، و مع ذلك نجد الطبقات بين المجموعة الواحدة، و نجد الأصناف بين أفراد الصنف الواحد، و نجدّ في البحث في التعدد و العضوية واحدة، كمجنون يرى كل الناس مجانين، حتى ضاع مفهوم الجنون، و قصرت أعمار الأحياء بطولها، هذا كله نحن، و نحن هذا كله.
و عن وجهتنا لا يسعنا إلاّ محاولة التعرف على منبتنا، لنطال طموحنا. إننا آتون من مصادر لا نفهم مصادرها هي، مقدمون على عناوين نجهل أصحابها، سائرون على طرق لا نحتفظ بأسمائها و لا نملك مخططاتها. المهم أننا نسير و كفى، فنحن لا يهمنا مكان السير بقدر السير في حدّ ذاته، لا يهمنا أننا ضائعون بقدر ضياعنا بين ما هو مهمّ بالنسبة لنا، حتى توقفنا نراه سيرا، هذه هي وضعيتنا باتجاه أهدافنا، فنحن قادمون من المجهول، و نعيش في المجهول، و متجهون نحو المجهول الذي لا يبدوا أنه مجهولا بالنسبة لنا.
في أزمنة غابرة سمعت الإنسانية نداء يونانيّ قائلا: "اعرف نفسك بنفسك" فكافأته بتجريعه السمّ قبل المغيب أمام الجماهير، و لكن ألا يبدوا هذا غريبا؟
طبعا إنه غريب، و تكمن غرابته في انسجامه المتناقض، إنسان أشفق على الإنسانية، فحاول تخليصها من نسيانتها و قيادتها نحو أنسنتها، فدفع حياته ثمنا لذلك، أراد أن يخلص أرواح الأجساد العفنة من عفنها فسلبوه روحه. هذه هي حالنا، فكثرة بحثنا هو سبب أصلا، وعليه يقول رالف والدو أمرسون: "كل ما يوجد أمامنا، و كل ما يوجد في غير متناولنا، شيء بسيط جدّا للغاية، إذا ما قورن بما يوجد في أنفسنا..".[1]   
في الأخير نستنتج أننا لا نعرف أنفسنا، و ما علينا إلاّ تهذيبها قبل فقدان السيطرة عليها، فبصلاح الجزئيات تصلح الكليات، و بصلاح الأنفس تصلح الأفئدة التي بتراصها تستقيم الأمم.
  



صبرة، تـلمسان، الجزائر.






[1] : الدكتور ابراهيم الفقي، البرمجة اللغوية العصبية، جمهورية مصر العربية – القاهرة، ص 31.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق